لن اتذمر مجدداً

. . . . . .

كثيرة هي تلك النعم التي لا نشعر بها وإعتدنا على وجودها وأصبحت من حكم المسلمات ولكن حينما يعصف بنا الزمن ويدور بنا دولابه ندرك عظيم ما فقدناه

. . . . . .

اضواء تلمع في السماء تتبعها اصوات غريبة تشق الظلام …….. لماذا اشعر بهذا الضيق في قلبي.

بعض لحظات …

شعرت بيد تتحسس الطريق وسط هذا الظلام وإذا به صوت طفلي الباكي, احتضنته وشعرت برجفة جسده الضئيل وهو يخبرني بصوته المختلط بالبكاء

.. أمي انني خائف

أردت أن أخفف عنه وابعث الشجاعة إليه لكن خوفي الذي تبعه دقات قلبي المتسارعة خذلني ولم يمنحني تلك الشجاعة ,احتضنته بشدة وحملته الى أقرب زاوية في المنزل واختبأت معه .

زادت الأضواء في اللمعان وتعالت الاصوات حتى بدت اقرب منها إلى اصوات الانفجارات وإستمرت هذه الأصوات بالإقترب وزادت الأضواء باللمعان أكثر فأكثر حتى بدا المشهد وكأن الشمس سطعت في ظلمة الليل .

انكمشت في مكاني وزادت شدة قبضتي على ابني وشعرت وكأن قلبي يكاد أن يخترق ضلوعي من قوة نبضه

….. ثـــم ….

لم اعد اذكر الكثير فآخر ما اذكره هو وكأنني فقدت السمع لوهلة و ما عدت اسمع سوى الصفير ورأيت الغبار يغطي كل شيء .

بدا المشهد غريباً ,اشخاص يركضون واصوات صراخ اختلطت بالبكاء مع الكثير والكثير من الحطام والدماء

أدركت حينها بأن منزلي لم يعد لديه تلك الملامح التي أعرفها …………………

أدركت حينها بانني فقدت ……فقدت القليل الذي أملكه .

لقد كانت حياتي صعبة ,صعبة جداً ,عانيت الكثير حينما تُركت لوحدي أنا وابني, وفرحت حينما وجدت مأوى ساتر لنا……..لكن

لقد انكشف ذلك الستار الأن ,أصبحت لا أملك شيء ,صحيح بأنني لم أكن أملك الكثير بل لم أكن أملك ما له قيمة  في الواقع ,لكن مجرد التفكير بأنني لم أعد أملك شيء مؤلم جداً.

كانت مجرد ساعات قليلة انقلبت فيها حياتي

كنت أنام بسلام مع طفلي ,أمتلك منزل هزيل ,كم بغضت ذلك المنزل حينها لكنني أشعر بقيمته الأن.

إلى أين سأذهب ؟!

توقفت دموعي عن النزول ,وشعرت بأن هذا كله مجرد حلم, لكنه يبدوا واقعي جدا, أريد الاستيقاظ, أريد الاستيقاظ الأن.

بعد فترة ,شعرت بامرأة تضع الغطاء على رأسي ,وحينها أدركت بأنني لا أحلم .ورأيت مشهد غريب إنه جارنا رأيته يصرخ ويبكي لقد كان بالنسبة لنا مثال للرجل الصالح ورب الأسرة الذي لطالما تمنيت ان يكون لي مثله ,رأيته يبكي ,لم أكن أعلم بأن الرجل الحقيقي يبكي ظننت بأن المرأة هي من تبكي فقط لكنه كان يبكي بمرارة مرارة شديدة وهو ينزع الصخور المتكومة على أسرته ثم ينتشل جثة أصغر ابنائه ويحتضنه ويستمر بالبكاء.

وحينها شعرت وكأن صاعقة سقطت على رأسي وأستفقت من ذهولي وبدأت أحوم كالمجنونة صارخة

…ابني اين هو ابني ؟

…ابني من رأى ابني؟

…ابني

سقط الغطاء من رأسي لكنني لم أُبالي فما عدت أكترث كنت أجري والتفت يميناً ويساراً, فأنا لا أريد خسارة ابني وبدأت الدموع تنهمر بغزارة

…ابني أين انت ؟

من ورائي جاء صوت طفل ,لقد كان طفلي يناديني من ورائي

..أمي أمي

احتضنته ,احتضنته بشده

لكن هذه المرة لم يعد يهمني فأنا لم أخسر شيء اجل لم اخسر شيء فابني كل ما املك وانا لم أخسره

امي لقد سقط الغطاء عنك هناك الكثير من الرجال فلترتدينه هيا امي..

…حسنا حسنا سأرتديه

..أمي ما الذي حدث؟

…إنها الحرب يا ولدي الحرب التي لا ترحم أحداً

…الحرب التي لا تفرق بين كبير أو صغير بين ظالم أو مظلوم

أمسك أبني يدي بيده الصغيرة وابتسم

..امي لم تمت زهرتي التي زرعتها البارحة في غرفتي ما زالت حية

..انظري فما زالت هناك

رأيتها فعلا ما زالت حية رغم ضاءلتها وصغر حجمها ما زالت حية!

رغم إنهيار المنزل عليها مازالت حية!

صحيح الحرب لا ترحم لكن

 الله رحــيم

فقدت القليل الذي أملكه لكنني أدركت بأنه لا قيمة لشيء

صحيح بأنني لم أفقد أثمن ما أملك …………….. فروح ولدي أثمن ما أملك ……. لكن هناك شيء ما أُنتزع مني بقوة

أتمنى أن تنتهي الحرب  

ولن اتذمر مجدداً من حياة الفقر الذي أعيشه

لـــن اتذمرمجدداً   

     *****إنتهى*****

لا توجد تعليقات للعرض.